الأربعاء، 25 مارس 2009

في ضوء مقال "الصنمان"

مِنْ حقّ بعض الإخوة أن يجدوا (على بعض ما في الموضوع) في أنفسهم، لأنه يوجّه سهام التحليل النقدي إلى الثوابت البنيوية للأيديولوجيات السائدة، والتي قد يكونون - أو بعضهم- وجد نفسه بمحض الصدفة منتميًا إلى تراث واحدةٍ منها، وخاضعاً لمطلقاتها. ولا شكّ أن هتين الأيديولوجيتين تستغلان الدين وتَرْكَبانِه وتتأسسان عليه. وتستخدمان المساجد والمنابر والكتب والفضائيات وحتى الموبايلات لبث أفكارهما.بل تضيف المدرسة (الإمامية) فتبني دورا تسميها "حسينيات" لأنّ استعادة تراجيديا الحسين ومأساة الطف هو تعبئة شعورية لمجموعة من المسلمين أن يبحثوا عن توازن شعوري، فلا يجدون معروضًا أمامهم إلا المستحيل وهو أن (نعيد خلق الحسين وأسرته وعبيدالله بن زياد والشمر بن ذي الجوشن ويزيد بن معاوية وأسرهم فننتقم للسيد الهاشمي منهم) ولما كان هذا مستحيلا قام الفكر الهرمسي الإيراني بإيجاد بديل عن المستحيل) وهو الحل (خارج الواقع..) أي الولاية عبر كائن متخيل.كيف سهُل قبول هذه الفكرة على ناس مسلمين يسمعون القرآن يردد عليهم أركان الإيمان (الله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر) دون أن يضيف إليها كائنا اسمه صاحب الزمان؟؟ لا تتم هذه العملية دون شحن الناس عاطفيا لأن الإقناع باللامعقول لا يتم إلا عبر تخدير العقل وتصب فكرة الولاية عبر الكائن المتخيل في صالح طبقة الكهنة .[وبإمكان أي مثقف أن يقرأ عن طبقة الكهنة فيما كتبه فريزر او ويلديورانت أو علماء الانثروبولوجيا والتاريخ عن رجال الدين عبر العصور].إن ما قامت به رجال الدين في إيران من إعادة ولاية الفقيه و(النيابة عن الإمام المهدي) هو صورة من أفظع صور استغلال الدين في السياسة .مشكلة المتلقي في بلداننا أنه حتى لا يسأل نفسه ما معنى كلمة نبي ومماذا اشتُقت؟لو رجع إلى إنباء وقراءة أهل المدينة (النبيء) بالمد والهمز لعلم أنّ النبيّ مخفف النبيء وأن رأي ابن حزم في عدّ مريم نبية هو عين الصواب،فكل من (أنبئ) واتصل بـ(الملكوت الأعلى) فهو نبيّ فهي (فعيل بمعنى مفعول) كقتيل بمعنى مقتول فالنبيء مٌنبأ بشيء من قبل الملكوت الأعلى وهذا سرّ قوة الفكر الديني الإمامي الإيراني على الناس البسطاءلأنه فكر يولّد أنبياء .ذلك أن الملكوت الأعلى حقل دلالي يضم مجموعة من الأسماء (الله، جبريل، الملائكة، الروح) وقد استطاع الفرس أن يضيفوا إلى هذا الحقل اسما جديدا أسموه قائم آل محمد ووصفوه بأنه صاحب الزمانولكي يشرعنوا ادعاءهم قاموا فزعموا أنهم ليسوا بدعة في هذه القضية بل عمموا فكرهم على اليهود والتراث اليهودي(سنوا قانونا بأثر رجعي)فقالوا إن لكل نبي وصيّاً وبعدد الأنبياء ثَمَّ أوصياءُ لكن الفرق بين أوصياء اليهود وبين فرضية صاحب الزمان أن اليهود كانوا بشرا عاديين . ولذلك ماتوا وانقرضوا ولم تبق إلا تعاليمهم أما صاحب الزمان فهو إله يعلم الغيب ولكن له نسب بشري مفترض وكل من اتصل به او أصبح في موقع يمكن له أن يتصل به فهو (من أنبياء الفرس) أو بني هاشم الجدد وهنا تستبين للإنسان العادي كيف استطاعت الأحزاب الموالية لإيران في العراق أن تخرج الناس بمظاهرات ضد رجل عبر عن رأيه في الاتجاه المعاكس بالجزيرةضد السستاني؟الرجل ما صدّق انه بهذه الأهمية تتدافع الناس بالشوارع على كلمة قالها!!! الحقيقة أن الرجل لم ينتقد "عالم دين " او "مرجع" كما يسمونه بل انتقد أحد الأنبياء لأن الفرس قد أضافوا الى مجموعة الملأ الأعلى إلها جديدا وجعلوا إمكانية الاتصال به قائمة وبذلك اختطفوا من العرب أسرة النبي وجعلوا النبوة مستمرة فيهم وإ كانوا لا يسمونها نبوة لكنها لها نفس معنى النبوة وقيمتها.الخلاصة أن قوة الفكر المعين هو قدرته على تعبئة الناس وتحريكهم وقد يكون هذا الفكر أبعد الأفكار عن الواقع وأكثرها استلابا للشخصية ولكن قد تتوفر له ترسانة نصوص وأحداث وتراث وتاريخ ما تجعله يستطيع أن يمس عواطف الجماهير ويحركها.إن الجماهير الوحيدة في العالم التي ما تزال ضحية الخرافة هي الجماهير الإمامية حتى هنا في اوربا نجد الفرس تتبرج نساؤهم ولا يصبحون متدينين ويبقى "أبواق" الفرس من العرب الخاضعين لهذه الأسطورة حاقدين مبرمجين على كره الأمة ويظنّون أنهم يوالون الحسين الميت عبر صاحب الزمان الحي ومراجعهم الأنبياء الذين (من الممكن) متى شاءوا أن يدّعوا لقاء صاحب الزمان .وكلاهما سعيد بهذه المرتبة الموالي والمدعي .تبين إذن الفارق بين دين (محمد وأصحابه)وبين دين الناس اليوم .إن مجموعة الملأ الأعلى في الإسلام لا تضم إلا أركان الإيمان (الله،ملائكته)ولا يمكن أن يتصل بها من بني البشر إلا نبي ومحمد خاتم الأنبياء فهي تخلو من كائن او عنصر اسمه (السلف الصالح) وتخلو من كائن (صاحب الزمان) ولذلك على المثقف المسلم أن يمتلك الشجاعة فيدافع عن بنية الدين إزاء مستغلي الدين ومنشئي الكيانات في التاريخ الإسلامي الذين خدعوا الناس أو حتى خدعوا أنفسهم .فكثيرا ما يكذب الإنسان ويصدق نفسه تحت أي ذريعة و"حجة" فيضيف ‘إلى دين العرب دينا جديداهذه الفكرة باختصار.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق